كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: السموم: الريح الحارة التي تدخل في مسامّ البدن.
{وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} اليحموم يفعول من الأحم: وهو الأسود؛ والعرب تقول: أسود يحموم: إذا كان شديد السواد، والمعنى: أنهم يفزعون إلى الظلّ، فيجدونه ظلًا من دخان جهنم شديد السواد.
وقيل: وهو مأخوذ من الحم، وهو الشحم المسودّ باحتراق النار.
وقيل: مأخوذ من الحمم، وهو: الفحم.
قال الضحاك: النار سوداء، وأهلها سود، وكل ما فيها أسود.
ثم وصف هذا الظلّ بقوله: {لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} ليس كغيره من الظلال التي تكون باردة، بل هو حار لأنه من دخان نار جهنم.
قال سعيد بن المسيب: {ولا كريم} أي: ليس فيه حسن منظر، وكلّ ما لا خير فيه، فليس بكريم، وقال الضحاك: {ولا كريم}، ولا عذب.
قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعًا لكلّ شيء نفت عنه وصفًا تنوي به الذم، تقول: ما هو بسمين ولا بكريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي استحقوا بها هذا العذاب فقال: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} وهذه الجملة تعليل لما قبلها، أي: إنهم كانوا قبل هذا العذاب النازل بهم مترفين في الدنيا، أي: منعمين بما لا يحل لهم، والمترف: المتنعم.
وقال السدي: مشركين، وقيل: متكبرين، والأوّل أولى.
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم} الحنث: الذنب، أي: يصرون على الذنب العظيم.
قال الواحدي: قال أهل التفسير: عني به الشرك أي: كانوا لا يتوبون عن الشرك.
وبه قال الحسن، والضحاك، وابن زيد.
وقال قتادة، ومجاهد: هو الذنب العظيم الذي لا يتوبون عنه.
وقال الشعبي: هو اليمين الغموس، {وَكَانُواْ يِقولونَ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} الهمزة في الموضعين للإنكار والاستبعاد، وقد تقدّم الكلام على هذا في الصافات، وفي سورة الرعد.
والمعنى: أنهم أنكروا واستبعدوا أن يبعثوا بعد الموت، وقد صاروا عظامًا وترابًا، والمراد: أنه صار لحمهم وجلودهم ترابًا، وصارت عظامهم نخرة بالية، والعامل في الظرف ما يدلّ عليه مبعوثون؛ لأن ما بعد الاستفهام لا يعمل فيما قبله، أي: أنبعث إذا متنا؟ إلخ {أَوَ ءابَاؤُنَا الأولون} معطوف على الضمير في {لمبعوثون}؛ لوقوع الفصل بينهما بالهمزة.
والمعنى: أن بعث آبائهم الأوّلين أبعد؛ لتقدّم موتهم، وقرىء، (وآباؤنا).
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم ويردّ استبعادهم فقال: {قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ} أي: قل لهم يا محمد: إن الأوّلين من الأمم، والآخرين منهم الذين أنتم من جملتهم لمجموعون بعد البعث {إلى ميقات يوم مَّعْلُوم} وهو يوم القيامة.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالون المكذبون} هذا وما بعده من جملة ما هو داخل تحت القول، وهو معطوف على {إِنَّ الاولين}، ووصفهم سبحانه بوصفين قبيحين، وهما الضلال عن الحقّ والتكذيب له {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ} أي: لآكلون في الآخرة من شجر كريه المنظر كريه الطعم.
وقد تقدّم تفسيره في سورة الصافات، و(من) الأولى لابتداء الغاية والثانية بيانية، ويجوز أن تكون الأولى مزيدة والثانية بيانية، وأن تكون الثانية مزيدة والأولى للابتداء.
{فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} أي: مالئون من شجر الزقوم بطونكم؛ لما يلحقكم من شدّة الجوع.
{فشاربون عَلَيْهِ مِنَ الحميم} الضمير في {عليه} عائد إلى الزقوم، والحميم: الماء الذي قد بلغ حرّه إلى الغاية، والمعنى: فشاربون على الزقوم عقب أكله من الماء الحارّ، ويجوز أن يعود الضمير إلى شجر؛ لأنه يذكر ويؤنث.
ويجوز أن يعود إلى الأكل المدلول عليه بقوله: {لآكِلُونَ}.
وقرئ: (من شجرة) بالإفراد.
{فشاربون شُرْبَ الهيم} قرأ الجمهور: {شرب الهيم} بفتح الشين، وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة بضمها.
وقرأ مجاهد، وأبو عثمان النهدي بكسرها، وهي لغات.
قال أبو زيد: سمعت العرب تقول بضم الشين وفتحها وكسرها.
قال المبرد: الفتح على أصل المصدر، والضم اسم المصدر، والهيم: الإبل العطاش التي لا تروى لداء يصيبها.
وهذه الجملة بيان لما قبلها، أي: لا يكون شربكم شربًا معتادًا بل يكون مثل شرب الهيم التي تعطش ولا تروى بشرب الماء، ومفرد الهيم أهيم، والأنثى هيماء.
قال قيس بن الملوّح:
يقال به داء الهُيَامِ أصابه ** وقد علمت نفسي مكان شفائيا

وقال الضحاك، وابن عيينة، والأخفش، وابن كيسان: الهيم: الأرض السهلة ذات الرمل، والمعنى: أنهم يشربون، كما تشرب هذه الأرض الماء، ولا يظهر له فيها أثره.
قال في الصحاح: الهيام بالضم: أشد العطش، والهيام كالجنون من العشق، والهيام: داء يأخذ الإبل تهيم في الأرض لا ترعى، يقال: ناقة هيماء، والهيماء أيضًا: المفازة لا ماء بها، والهيام بالفتح: الرمل الذي لا يتماسك في اليد للينه، والجمع هيم مثل قذال وقذل، والهيام بالكسر الإبل العطاش.
{هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدين} قرأ الجمهور: {نزلهم} بضمتين، وروي عن أبي عمرو، وابن محيصن بضمة وسكون، وقد تقدم أن النزل ما يعدّ للضيف، ويكون أوّل ما يأكله، ويوم الدين: يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، والمعنى: أن ما ذكر من شجر الزقوم، وشراب الحميم هو الذي يعدّ لهم ويأكلونه يوم القيامة، وفي هذا تهكم بهم؛ لأن النزل هو ما يعدّ للأضياف تكرمة لهم، ومثل هذا قوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنشقاق: 24].
وقد أخرج الحاكم وصححه، والبيهقي عن أبي أمامة قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله ينفعنا بالأعراب ومسائلهم، أقبل أعرابيّ يومًا فقال: يا رسول الله ذكر في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها قال: وما هي؟ قال: السدر، فإن لها شوكًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس الله يقول: {فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ}؟ يخضد الله شوكه، فيجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمرًا يتفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونًا من الطعام ما منها لون يشبه الآخر» وأخرج ابن أبي داود، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن عيينة بن عبد السلمي قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكًا منها: يعني الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصية التيس الملبود- يعني: الخصيّ منها- فيها سبعون لونًا من الطعام لا يشبه لون آخر» وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس في قوله: {سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} قال: خضده وقره من الحمل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عنه قال: المخضود الذي لا شوك فيه.
وأخرج عبد بن حميد عنه أيضًا قال: المخضود الموقر الذي لا شوك فيه.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} قال: هو الموز.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وهناد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من طرق عن ابن عباس مثله.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن أبي هريرة مثله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ {وطلع منضود}.
وأخرج ابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن قيس بن عباد قال: قرأت على عليّ بن أبي طالب {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} فقال عليّ: ما بال الطلح، أما تقرأ {وطلع}؟ ثم قال: {وطَلْعٌ نَّضِيدٌ} [ق: 10]، فقيل له: يا أمير المؤمنين أنحكها في المصحف؟ قال: لا يهاج القرآن اليوم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {مَّنْضُودٍ} قال: بعضه على بعض.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرءوا إن شئتم {وَظِلّ مَّمْدُودٍ}» وأخرج البخاري، وغيره نحوه من حديث أنس.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما نحوه من حديث أبي سعيد.
وأخرج أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ في قوله: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} قال: «ارتفاعها، كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» قال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث غريب لا نعرفة إلاّ من حديث رشدين بن سعد انتهى، ورشدين ضعيف.
وأخرج الفريابي، وهناد، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} قال: «إن المنشئات التي كنّ في الدنيا عجائز عمشًا رمصًا».
قال الترمذي بعد إخراجه: غريب، وموسى ويزيد ضعيفان.
وأخرج الطيالسي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن قانع، والبيهقي في البعث عن سلمة بن يزيد الجعفي سمعت النبيّ يقول في قوله: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} قال: «الثيب والأبكار اللاتي كنّ في الدنيا» وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: خلقهنّ غير خلقهنّ الأوّل.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه: {أبكارا} قال: عذارى.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في البعث من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {عُرُبًا} قال: عواشق {أَتْرَابًا} يقول: مستويات.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه: {عُرُبًا} قال: عواشق لأزواجهنّ وأزواجهنّ لهنّ عاشقون {أَتْرَابًا} قال: في سنّ واحد، ثلاثًا وثلاثين سنة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: العروب: المَلِقَة لزوجها.
وأخرج مسدد في مسنده، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه بسند حسن عن أبي بكرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين} قال: «جميعهما من هذه الأمة» وأخرج أبو داود الطيالسي، ومسدّد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عن أبي بكرة في قوله: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين} قال: هما جميعًا من هذه الأمة.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن عدي، وابن مردويه.
قال السيوطي: بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين وَثُلَّةٌ مّنَ الآخرين} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما جميعًا من أمتي» وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال: الثلتان جميعًا من هذه الأمة.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} قال: من دخان أسود، وفي لفظ: من دخان جهنم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {شُرْبَ الهيم} قال: الإبل العطاش. اهـ.